قاهرة المقريزي

قاهرة المقريزي

الأربعاء، 25 أبريل 2012

المحمل المصري

 * تعريف

من جملة لطائف مصر في عصورها الإسلاميه, أنه كان في كل عام قبل موسم الحج إلي بيت الله الحرام يتم إعداد ما يعرف ( بالمحمل ) و هو لقب يطلق علي قافله الحجيج قاصدي بلاد الحجاز و بصحبتهم الكسوه الشريفه التي كانت تكسي بها الكعبه و كذلك كان يلحق بتلك القافله سائر أنواع الخيرات من مطعم و ملبس و دواء مما يلزم تلك الرحله الهامه و الشعيره المقدسه
في موضع يعرف بالخرنفش داخل القاهره, يوجد مشغل الكسوه و كان له مخصصات و أموال من أجل الإنفاق عليه حتي أن بعض السلاطين أوقف عليه اوقافاً, اما المسئول عن إتمام العمل بها فقد كان من موظفي الدوله و يعرف بناظر الكسوه

* ذكر صفة المحمل و دورانه بالقاهره

كانت مناسبة خروج المحمل من جملة أعياد المصريين فكانت العاده أن يطوف بالقاهره في مظهر إحتفالي مرتين قبل رحيله, مره في منتصف شهر رجب و فيها يطوف بالقاهره وصولاً للفسطاط و الأخري في شوال حيث يطوف بالقاهره و منها إلي الريدانيه ( العباسيه ) ثم تبدأ الرحله, و كان المنادون يجوبون شوارع القاهره و الفسطاط قبلها بثلاث أيام لدعوة الناس للمشاركه بالإحتفال 
و كان المحمل يشق القاهره من باب النصر وصولاً إلي ميدان الرميله ( القلعه ) حتي يطل عليه السلطان و قد دأب سلاطين مصر المماليك علي أن يجتهدوا في إضفاء مزيد من الفخامه الممزوجه بالبهجه في هذه المناسبه ففي طوفان المحمل كان يخرج جنود المماليك من الشبان المتميزين بكامل سلاحهم و حسن زينتهم يسيرون في المقدمه و هم يقومون بإستعراض مهارات الفروسيه و خصوصاً اللعب بالرمح متقدمين قبة المحمل المحموله علي ظهر الجمل و الذي هو رمز للمحمل

و كان القاهريون يستقبلون هذه المناسبه بتزيين بيوتهم و محالهم و يخرجون إلي الشوارع للفرجه و يبيتون الليالي و كانت الشوارع تزدحم بهم عن آخرها إبتهاجاً به

صوره من القاهره في العصر الخديوي و يظهر فيها العساكر المصريين بأزيائهم الرسميه و هم يتقدمون جمل المحمل

لوحه للرسام الروسي ماكفوسكي كونستنتين الذي زار مصر سنة 1870 م للمحمل بمنطقة بين القصرين و حوله الصوفيه بأعلامهم

طوفان المحمل 

قارعي الطبول صحبة المحمل
 

صناع الكسوه يستعرضونها مع بعض الضباط الإنجليز بدايات القرن العشرين

صوره لكبار صناع الكسوه بدايات القرن العشرين
 
بالإضافه إلي ما أسلفنا من مشتملات المحمل, كان يتبعه فرقه عسكريه بغرض الحمايه و كانت توفر له الحمايه خلال رحلته دفعاً لهجمات أي معتدي خصوصاً العربان من البدو و كثيراً ما تعرضوا لتلك القوافل بغرض السلب و أحياناً كانت تفلح هجماتهم, و كان للمحمل أميراً يعرف بـ ( أمير حاج ) و الكثير ممن تشرف بهذه الوظيفه مشهور في التاريخ الإسلامي فعادة ما يكون من أكبر أمراء الدوله حتي أن منهم من تسلطن لاحقاً و كان من الأمراء من يحسن السيره في هذه المهمه ومنهم من يسئ, و قد استمرت وظيفة أمير حاج في العصر العثماني أيضاً

العسكر المصري يسير صحبة المحمل

معسكر المحمل أثناء الرحله


العسكر بجوار المحمل بالعباسيه قبل بداية الرحله

المحمل عند عودته بقصر محمد علي بشبرا
إستعراض المحمل بميدان القلعه

مجموعه من النساء يزرن الحمل  بالعباسيه
المحمل أثناء المسير
و كانت العاده أنه عندما يصل المحمل إلي مكه المشرفه يستقبله شريف مكه - و هو أميرها - و الذي كان تابعاً للسلطان المملوكي ثم للعثماني و كان يقبل حافر جمل المحمل  تبجيلاً و توقيرا

لم يكن المحمل ليخرج بالمصريين و حسب بل كان يصحبه سائر الحجيج من بلاد المغرب الإسلامي بما فيه الأندلس و بلاد إفريقيا أو القادمين عن طريق البحر من البلاد العثمانيه و كذلك كان كثيراً ما يأتي أمراء و ملوك تلك البلاد قاصدين الحج فكانوا جميعاً يجتمعون بالقاهره ليتوقفوا بتلك المحطه الهامه التي كانت لها أثر كبير في صورة و شخصية مصر بمخيلة زوارها حتي أن التراث الإسلامي يحفل بالكثير من المؤلفات التي صنفها الرحاله و الأدباء المارين بمصر و كذلك فإن وفادتهم إلي القاهره و إختلاطهم بالمصريين كان له أثر فكري و ثقافي و إجتماعي عميق علي إمتداد التاريخ المصري



**تابع الرابط من موقع لمشاهدة فيديو من المتحف البريطاني و إستعراض لقبة محمل موجوده بالمتحف

* تاريخ خروج المحمل

يختلف المؤرخون في تحديد أي زمان كان بداية خروج المحمل المصري فمنهم من أرخ بأنه بدأ في عصر السلطان صلاح الدين أو شجر الدر أو حتي الظاهر بيبرس و كل منهم يستشهد بأن حجته هو مصاحبة مظهر معين لكن الغالب أن المحمل بالمظاهر التي أسلفناها مجتمعه لم يبدأ إلا في عصر المماليك البحريه أي في منتصف القرن الثالث عشر ميلادي السابع هجري

لم يكن المحمل المصري هو الوحيد الذي يخرج للحج بالعالم الإسلامي بل كان هناك المحمل الشامي و كذلك المحمل العراقي و كذا اليمني, لكن ما كان يميز المحمل المصري هو خروج الكسوه معه و التي حرص عليها سلاطين المماليك أيما حرص, حتي أن الشيخ المقريزي يذكر أن السلطان ( شاه رخ ) بن تيمورلنك في ثلاثينيات القرن التاسع الهجري ألح علي السلطان المملوكي الأشرف برسباي في أن يكسو الكعبه فكان أن رفض السلطان بعض إستشارة قضاة الشرع و قد أورد الشيخ المقريزي بكتابه السلوك لمعرفة دول الملوك رد السلطان فقال " وأُجيب شاه رخ عن طلبه كسوة الكعبة باًن العادة قد جرت ألا يكسوها إلا ملوك مصر، والعادة قد اعتبرت في الشرع في مواضع وجُهزت إليه هدية ", كذلك فإنه بعد زوال دولة المماليك فإن بنو عثمان قد عهدوا إلي ولاة مصر بأن يجهزوا الكسوه و هي علي ذلك إلي إنقطاعها عن مصر في ستينيات القر العشرين الميلادي

* إنقطاع المحمل

أما عن إنقطاع المحمل, فقد كان بعد قيام حركة الضباط الأحرار بمصر إثر خلافات حكام المملكه الحجازيه و جمال عبد الناصر سنة 1961 و قد أعد آل سعود بالحجاز مشغلاً لكسوة الكعبه علي طريقتهم خلافاً للعاده المتبعه علي مدار أكثر من سبع قرون, و من المؤسف أنه كان يصحب المحمل إلي الأراضي المقدسه ما هو محرم من مظاهر الإحتفال من طبل و زمر و هذا لم يكن لائقاً فضلاً عن كونه مبتدعاً, و لكن ليس من المعلوم لدي أن هذا كان يحدث في أطوار المحمل المتقدمه لكن الثابت أنه حدث في مراحل تطوره المتأخره و خصوصاً في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي و كان يصحب بتلك البدع و التي أنكرها الأمير سعود بن عبد العزيز النجدي و الذي كان آخذاً بمنهج الإمام محمد بن عبد الوهاب حتي أنه أنكر صفة المحمل لدي السلطان العثماني سليم الثالث و طالبه بمنع والي مصر من مثل هذا الفعل, و كانت هذه فاتحة أبواب فتن و حروب في بدايات القرن التاسع عشر إلي أن أسر إبراهيم بن محمد علي سعوداً بن عبد العزيز و دمر عاصمته الدرعيه و كان إعدامه سنة 1814 بالآستانه ( إسطنبول ) و به إنتهي عصر الدوله السعوديه الأولي و لكن التوتر و الحذر تجاه المحمل ظل مستمرا حتي إبطاله و قد تجلي هذا التوتر في حادثة المحمل بمني سنة 1926 في عهد الملك عبد العزيز بعد سقوط الدوله العثمانيه

* عبــره

و هنا تأتي العبره من ذكر لطيفة المحمل ففضلاً عن كونها نادره تطيب ذكراها, فإننا إذا تأملنا فسنجد أن هذا الحدث يعد أحد مفردات العباره المشهوره ( دور مصر الإقليمي و التاريخي ), فقد كانت مصر حاضنة هؤلاء الوافدين من الغرب بمختلف أجناسهم علي مدار شهور طامعين في إتمام الفريضه المقدسه التي كانت تهفو لها القلوب خصوصاً لمشقة المسير إلي الحجاز في هذه العصور القديمه فكانوا يأتون إلي مصر متوسمين الأمن في سلطان قوتها و خيراتها الوافره منطلقين منها في سبيل إتمام مناسكهم في ظل ما تفيض به من طيبات تيسر هذا المقصد الجليل و كانت عادة لا تبخل و لا ترد طالبيها خائبين, أضف إلي ذلك ما كان يستجد من عمائر بأمر السلاطين بالأراضي المقدسه و قد أوقفت عليه الأوقاف بمصر فما زالت آثار تلك الأوقاف بأسمائها حتي اليوم فتجد بالقاهره وقف الحرمين و وكالة قايتباي و غيرهم مما أوقف لوجه الله للإنفاق علي الحجاج و فقراء المجاورين بل و بكل من بالحجاز من مسلمين حيث كان حينها يفتقر لما كان ببلادنا من خيرات

الخلاصه أن مصر عندما تبوأت منزلتها التاريخيه و قامت بواجبها الطبيعي من خلال مثل هذا الدور الذي لعبته كدوله إسلاميه كبري ترعي شئون المسلمين في شتي بقاع الأرض و تسد عنهم حاجاتهم و هذا الدور ما كان ليتحقق إلا بفضل من الله لما ميزها بنعم لم يميز بها غيرها من البلدان الإسلاميه و ما لها من عبقرية مكان أو زمان فنالت هذا القدر و هذه المنزله عن إستحقاق, و كذلك فإنها لما تخلت عما أنيط بها من دور تجاه المسلمين و إنصرف حكامها المتأخرين عن هذا الدور و إنشغلوا بترديد الشعارات الفارغه الغير ملوسه إنحطت مكانتها بل و علا عليها أصاغر الأقاليم التي لم يذكر لها شأن و لا تاريخ

و الأمر متصل أيضاً بالبلدان الإسلاميه التي نالت في زماننا هذا نصيباً مما كان لمصر سالفاً من شرف و قد حباها الله في هذه الأيام من ثروات مستحدثه و قد تبدلت الأحوال حتي أن مصر صارت تعاني أزمات متلاحقه, فأين هذه البلدان و أين حكامها من المسلمين, فإننا لا نراهم إلا منكبين علي ذواتهم و لا أعلوا للإسلام رايه بالرغم من تظاهرهم بذلك, و لا يعملون إلا بشريعة الغرب و موروثه البغيض من عصبيه و قوميه و لا يسيرون إلا بفلكه و صراطه مما سيكون مورداً لزوالهم لا محاله و التاريخ سيشهد عليهم و لن يذكرهم إلا بكل نقيصه

الثلاثاء، 3 أبريل 2012

من هو الشيخ المقريزي

وثائقي أكثر من رائع من سلسة علماء المسلمون إنتاج قناة الجزيره الوثائقيه, يتناول بشكل موجز شخصية شيخنا المقريزي ( رحمه الله ) و أعماله


تابع الرابط أسفل

الاثنين، 2 أبريل 2012

من خلال زيارتي لمجموعة قايتباي


قمت بزياره إلي المنطقه التي تقع بها مجموعة قايتباي و ذلك في سنة 2010, و لم تكن الزياره قاصره علي تلك المجموعه و حسب بل و قمت بزيارة الكثير من الآثار الموجوده قريباً منها, و الحقيقه فإن معظم تلك الآثار يلقي نفس المصير و يعاني نفس الظروف من حيث الإهمال و غياب المسئوليه من جانب الحكومه و عدم الوعي بقيمة تلك العمائر الجليله من قبل المواطنين بل و التعدي عليها باسليب مختلف و بشكل مؤسف , و أما عن مجموعة قايتباي بالتحديد فكان ما لاحظته كالتالي :

*الربع / يعد الربع هو الأسوا حالاً من بين أجزاء المجموعه فهو بطبعة حاله منخفض عن منسوب الشارع حوالي 2 متر فإن بوابته شبه مردومه بالأتربه و النفايات التي يلقيها الأهالي فضلاً عن كون الفناء الداخلي منه ( في الجزء الغير مواجه للشارع ) قد إمتلأ بالقمامه لآخره و كأنه مقلب و الصور توضح ذلك, و واجهة الأثر قاتمه وقد غطت الأتربه أي ملمح جمالي تحتويه خصوصاً في منطقة المدخل التي تحتوي ( رنك ) شعار السلطان و المقرنصات و العقود الحجريه

 بوابة الربع و بالأعلي الفناء الداخلي و قد إمتلأ قمامه
*الحوض / ليس مصير الحوض أفضل كثيراً من الربع فإن الأهالي يستخدمونه أيضاً لنفس الغرض ( إلقاء القمامه ) و لكن ما لفت نظري أكثر فإنه و بالرغم من وجود سور معدني علي و اجهته إلي أنه قد علقت يافطة دعايه إنتخابيه علي الأثر نفسه و المفارقه أن تلك اليافطه كانت لـ ( محمد إبراهيم سليمان ) وزير الإسكان السابق !

 الحوض و قد علقت عليه يافطة إنتخابات

*المدرسه / و هي تعد الأفضل حالاً من بين كل الجزاء فهذا المبني مفتوح للزياره لأداء الأهالي للصلوات إلي أن إهتمام الحكومه بالمبني ضعيف جداً و الصور ثلاثية الأبعاد التي أرفقت روابطها توضح كيف أن داخل القبه مهمل من حيث التنسيق و النظافه و بشكل لا يليق بقبر رمز تاريخي السلطان قايتباي و الذي أظن ان من يعادله باي بلد أوربي يلقي أكثر بكثير من الإهتمام و التوقير
الملحوظه الأخري إنعدام و جود نظام إضاءه يناسب الأثر ليبرز قيمته المعماريه و إذا تاملت الصور الموجوده بالروابط ستجد أن المصابيح الموجوده بالمدرسه تم تركيبها من قبل الأهالي و هي تفتقر لأي ذوق يناسب الطابع الإسلامي فضلاً كون إضائتها لا توفر اي إحساس بالروحانيه و هي ليست مسئولية الأهالي بالأساس و لكنه كما أشرت غياب شديد لدور الدوله
كذلك فإن الأهالي قاموا بتعليق كل ما يحلوا لهم من مصابيح أو مراوح أو ملصقات في أي مكان بدون رادع بصرف النظر عن الموضع الذي تعلق به هذه الأشياء
إلي أن الجانب المشرق أن العناصر المعماريه بالأثر بحاله جيده و لا ينقصها سوي الإهتمام و أن يكون هناك خطه و نظام لإدارة المبني

صحن المدرسه و تظهر هنا المصابيح الغريبه

*المقعد و قبة الكلشني : هما أيضاً بحاله جيده إلي أني عند زيارتي كانا مغلقين و لم يتثني لي سوي الإستمتاع بما للواجهه من جمال معماري و قد كانت السقالات التي يستخدمها المرممون الذين يعملون علي واجهة المقعد منصوبه حينها

المقعد و السقالات منصوبه أمامه


أتمني عند زيارتي القادمه أن أجد :

1-      نظام إضاءه يناسب الأثر و يبرز قيمته و خصوصاً ليلاً ليكون علامه بارذه في سماء القاهره لمن يسير علي طرق صلاح سالم الحيوي و الذي يمر بالكثير من المعالم

2-      عملية تنظيف تزيل كل القمامه التي إنتهكت بها حرمة هذه الأماكن و إزالة الأتربه من علي الواجهات و معالجة مشكلة القمامه بالمنطقه 

3-      بدء خطه لوضع الأثر و ما يحيط به من آثار أخري عظيمه تركت من قبل أجدادنا بهذه المنطقه ضمن خطة تطوير لتتحول مستقبلاً إلي متحف مفتوح ( كشارع المعز ) و هذا ليس بالصعب خصوصاً أن منطقة قايتباي ليست آهله بالسكان و الأنشطه كالجماليه التي يقع بها شارع المعز