قاهرة المقريزي

قاهرة المقريزي

الاثنين، 21 مايو 2012

ما بين خانقاة البندقدار و مشكاته


بينما كنت أبحث في محتويات متحف (ميتروبوليتان ) بنيويورك في الولايات المتحده و بالتحديد في مجموعة الآثار الإسلاميه و قد علمت من خلال أحد المجلات المعماريه أنه في بداية العام الجاري 2012 قد إستحدثت قاعه جديده علي الطراز الإسلامي المغربي لتكون صاله لعرض التحف الإسلاميه التي تم إستجلابها لهذا المتحف

و كالمعتاد في سائر المتاحف العالميه الضخمه التي تحوي معروضات لحضارات و بلاد مختلفه كانت للمعروضات المصريه المكانه البارزه 

و قد لفت نظري صوره لمشكاه ( قنديل ) مشهور رأيته كثيراً من قبل علي صفحات الإنترنت لكني لم أكن أتتبع حاله, هذا القنديل به علامه مميزه أعرفه بها ألا و هي رنك ( شعار ) البندقدار و هو عباره عن قوسين متقابلين و ( البندق ) هو نوع من أقواس الرمي الذي إشتهر به المماليك, و كانت العاده في العصر المملوكي الذي يعود له هذا القنديل أن كل أمير كان يتخذ رنكاً خاصاً به يضرب علي كل ما يخصه من ممتلكات أو منشآت و كانت المنشأه التي قد اخذ منها هذا القنديل هي خانقاة الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار الموجوده بشارع السيوفيه من القاهره

المشكاه المأخوذه من خانقاة أيدكين البندقدار

 رسم تخيلي لجندي مملوكي يحمل البندق و هو علي ظهر جواده 

 تعريف بالمنشئ

و هنا  يكون السؤال الذي من الطبيعي أن يسأله الكثير من الناس من غير ذوي الإشتغال بالتاريخ المملوكي ( من هو علاء الدين ايدكين ؟ )
 أكثر ما عرف به الأمير علاء الدين ايدكين و أشتهر به عند المؤرخين هو كونه أستاذ الملك الظاهر بيبرس و مربيه لذلك فإن الظاهر يعرف ببيبرس البندقداري نسبة إلي أستاذه, أما علاء الدين نفسه فإنه كان من مماليك الملك الصالح أيوب بن الكامل و كان من كبار أمرائه و قد سخط عليه الصالح لحادثه و قعت و نزع منه مماليكه و منهم بيبرس لذلك فإن بيبرس يعرف ايضاً بالصالحي, لكن مع ذلك فإنه كان من خيرة المماليك الصالحيه و من أقربهم إلي أستاذه الملك الصالح

يقول الشيخ المقريزي في كتابه الخطط " ولما تسلطن الملك المعز أيبك التركمانيّ أقام الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري في نيابة السلطنة بديار مصر، فواظب الجلوس في المدارس الصالحية بين القصرين ومعه نوّاب دار العدل ليرتب الأمور وينظر في المظالم، فنادى بإراقة الخمور وأبطال ما عليها من المقرّر"

 و قد روي المؤرخون أن أيدكين كان له دور في تحريض شجر الدر علي قتل أيبك و قد كان, و عندما تقلبت الأحوال و دارت الحروب حتي تسلطن بيبرس صار أيدكين من جملة أمرائه و خدامه بعد أن كان بيبرس مملوكاً له, و في ظل سلطنة بيبرس استمر حال ايدكين كونه من كبار أمراء الدوله حيث أنه كان نائباً بحلب و قد إسترد دمشق بعد أن تمرد سنجر الحلبي علي بيبرس و ظل أيدكين نائباً بها, و كان أيدكين أيضاً ممن قام بخلع السلطان السعيد بركه خان بن الظاهر بيبرس حين إختلفت عليه كلمة الأمراء

كما يضاف إلي سيرة الأمير علاء الدين أنه كان من الأمراء المجاهدين سواء ضد التتار أو الصليبيين و إن كنت لم أقف علي ما يؤكد مشاركته في معارك المنصوره و فارسكور و عين جالوت إلي أني أظن أن مشاركته في مثل هذه المعارك أكيده لكونه في مقدمة المماليك الصالحيه و الثابت أنه شارك في أكثر من واقعه غير تلك المواقع المشهوره و كما اسلفنا فإنه كان من المشار إليهم للقيام بالمهام الجسام في زمن الظاهر بيبرس

أما عن وظيفة البندقداريه فالواضح أنه عرف  بهذا اللقب كونه مسئولاً عن فرق رماة البندق في الجيش المملوكي أو ربما كونه مسئولاً عن صناعة سلاح البندق و توفيره للعسكر

توفي الأمير أيدكين سنة 1286 مـ, 684 هـ  أي في عصر السلطان المنصور قلاوون و كان له من العمر حوالي سبعون سنه و قد دفن بقبة خانقاته و قد حج قبل وفاته بحوالي أربع سنين, و يقول عنه الشيخ بن كثير في كتابه البدايه و النهايه "  وهو الامير الكبير علاء الدين أيدكين البندقداري الصالحي، كان من خيار الامراء سامحه الله "

وصــف الأثــر

 واجة الخانقاه تجاه شارع السيوفيه و يظهر المدخل و قد علته مباني تابعه لقصر الأمير طاز

القبه المواجهه للسيوفيه و المدفون تحتها الأمير أيدكين

صوره قديمه للقبه الداخليه و تظهر فيها النقوش الجصيه علي رقبة القبه من الخارج

رقبة القبه الداخليه من الداخل


أما عن الخانقاه فقد قال المقريزي عنها أن أيدكين قد أوقفها لله تعالي و رتب بها صوفيه و قراء, و لمن لا يعلم فإن الخانقاه هي مبنه ذو طبيعه دينيه صوفيه حيث ينقطع فيه الصوفيه للتعبد لله سبحانه و تعالي مدي حياتهم و يتم الإنفاق عليهم من مال الوقف, يوجد بالخانقاه قبتين مدفون بأحدهما الأمير علاء الدين أيدكين و الأخري يرجح أنها لزوجته, تقول الدكتوره دوريس بهرنز أن خانقاة البندقدار هي أقدم خانقاه باقيه و معروفه بالقاهره بعد الخانقاه الصلاحيه سعيد السعداء التي أنشأها الملك الناصر صلاح الدين يوسف و التي لا يبقي من حالها حين تأسيسها شيئ

خــاطــره

ما أوردتده من تعريف موجز بالأمير علاء الدين أيدكين و خانقاته أردت ان أسبق به خاطره محزنه طرأت بذهني حينما كنت أتابع محتوي متحف ميتروبوليتان كما أسلفت, فمن العجيب أن يكون كل ما يملكه الأمريكان من هذا المنشأ هو هذه المشكاه ضئيلة الحجم إلي أنهم قد أعطوها جانب كبيراً من الإهتمام و يسروا للزوار سبل التعرف عليها و مشاهدتها ضمن محتويات تلك القاعه المهيبه فائقه البهاء التي إستحدثوها

القاعه المغربيه بمتحف ميتروبوليتان نيويورك

إلي أن الجانب المؤلم يتمثل في موقفنا نحن مسلمي مصر حكومة و شعباً, فبالرغم من كون الأمير أيدكين يعد رمزاً تاريخياً يوجب إحترامه و الإعتزاز به فلم يكن موقفنا منه فقط هو نسيانه و جهل السواد الأعظم من الناس به و حسب, بل و تعدي الأمر أننا أسأنا إليه بإهمالنا لأثر مادي قائم بذاته إلي يومنا هذا مجسداً عظمة المعمار و الفن الإسلامي في عصره الذي أضحت مصر فيه دوله إمبراطوريه قاهره كما أن هذا المنشأ يذكرنا بمدي إرتباط كبار رجال الدوله بشعائر الإسلام في هذا الزمان

فما أعجب هذا الحال !, هم ( الأمريكان ) من نعتبرهم خصوم حضاريون لنا يوقرون مشكاه و نحن من نفتخر بهويتنا و تاريخنا نحتقر مقدراتنا و تراثنا للدرجه التي و صلت إليها خانقاة أيدكين بشارع السيوفيه, فمن يزورها و يمر بجوارها قد لا يشعر أصلاً بوجودها و من يدقق النظر يشعر بحجم الإهمال الذي أصابها ما بين جدران متشعثه و أتربه متراكمه و منظر موحش و كأن المبني قد إستحال إلي خرائب  
و من العجيب أن قصر الأمير طاز الملاصق لمبني الخانقاه قد أجري له عملية ترميم ضمن مشروع تطوير القاهره التاريخيه إلي أني لا أفهم ما سبب ترك خانقاة البندقدار علي هذا الحال, قصر الأمير طاز تقام به الحفلات الراقصه للفنون الشعبيه و يزوره علية القوم ليقيموا به الندوات الثقافيه, أما الخانقاه التي نحن بحاجه لأن نعتبر بشخص بانيها المجاهد المسلم تبقي طي النسيان
ألسنا اولي ببناء مثل تلك المتاحف و تسليط الضوء عليه

موقع الخانقاه بالنسبه لمدرسة السلطان حسن

مسقط أفقي للخانقاه

يجب أن تكون متاحفنا بمثل هذا النشاط كما في حالة ميتروبوليتان و أن يتم دعمها إعلامياً أكثر خصوصاً مع تركيز الحكومات المتواليه علي دعم السياحه بمصر, فإن متحف الفن الإسلامي بالقاهره و بالرغم من ضخامته و عظمة محتوياته إلي أنها لا يتم دعمه إعلامياً مثل المتحف المصري مثلاً حتي أني لم أجد علي شبكة الإنترنت موقع له يوضح محتوياته و من غير المشهور في برامجنا الثقافيه و الترفيهيه تنظيم الرحلات التي تقصده

نحتاج لزيارة مثل تلك الأماكن و ألا نسقطها من حسباننا و إهتماماتنا كأفراد و أن نتتبع حالها بإستمرار فلن ينتقل هذا الإهتمام في ظل الظروف التي تمر بها مصر حالياً إلي مؤسسات الدوله إلا إذا بادرنا نحن بالإهتمام كأفراد من باب وعينا و إحترامنا لتاريخنا و تراثنا و هويتنا و نشر هذه الثقافه بين الناس و تعليمها للأجيال الناشئه قدر المستطاع