* تعريف
من جملة لطائف مصر في عصورها الإسلاميه, أنه
كان في كل عام قبل موسم الحج إلي بيت الله الحرام يتم إعداد ما يعرف ( بالمحمل ) و
هو لقب يطلق علي قافله الحجيج قاصدي بلاد الحجاز و بصحبتهم الكسوه الشريفه التي
كانت تكسي بها الكعبه و كذلك كان يلحق بتلك القافله سائر أنواع الخيرات من مطعم و
ملبس و دواء مما يلزم تلك الرحله الهامه و الشعيره المقدسه
في موضع يعرف بالخرنفش داخل القاهره, يوجد
مشغل الكسوه و كان له مخصصات و أموال من أجل الإنفاق عليه حتي أن بعض السلاطين
أوقف عليه اوقافاً, اما المسئول عن إتمام العمل بها فقد كان من موظفي الدوله و
يعرف بناظر الكسوه
* ذكر صفة المحمل و دورانه بالقاهره
كانت مناسبة خروج المحمل من جملة أعياد المصريين فكانت العاده أن يطوف بالقاهره في مظهر إحتفالي مرتين قبل رحيله, مره في منتصف شهر رجب و فيها يطوف بالقاهره وصولاً للفسطاط و الأخري في شوال حيث يطوف بالقاهره و منها إلي الريدانيه ( العباسيه ) ثم تبدأ الرحله, و كان المنادون يجوبون شوارع القاهره و الفسطاط قبلها بثلاث أيام لدعوة الناس للمشاركه بالإحتفال
و كان المحمل يشق القاهره من باب النصر
وصولاً إلي ميدان الرميله ( القلعه ) حتي يطل عليه السلطان و قد دأب سلاطين مصر
المماليك علي أن يجتهدوا في إضفاء مزيد من الفخامه الممزوجه بالبهجه في هذه
المناسبه ففي طوفان المحمل كان يخرج جنود المماليك من الشبان المتميزين بكامل
سلاحهم و حسن زينتهم يسيرون في المقدمه و هم يقومون بإستعراض مهارات الفروسيه و
خصوصاً اللعب بالرمح متقدمين قبة المحمل المحموله علي ظهر الجمل و الذي هو رمز
للمحمل
و كان القاهريون يستقبلون هذه المناسبه بتزيين بيوتهم و محالهم و يخرجون إلي الشوارع للفرجه و يبيتون الليالي و كانت الشوارع تزدحم بهم عن آخرها إبتهاجاً به
و كان القاهريون يستقبلون هذه المناسبه بتزيين بيوتهم و محالهم و يخرجون إلي الشوارع للفرجه و يبيتون الليالي و كانت الشوارع تزدحم بهم عن آخرها إبتهاجاً به
صوره من القاهره في العصر الخديوي و يظهر فيها العساكر المصريين بأزيائهم الرسميه و هم يتقدمون جمل المحمل
لوحه للرسام الروسي ماكفوسكي كونستنتين الذي زار مصر سنة 1870 م للمحمل بمنطقة بين القصرين و حوله الصوفيه بأعلامهم
طوفان المحمل
قارعي الطبول صحبة المحمل
صناع الكسوه يستعرضونها مع بعض الضباط الإنجليز بدايات القرن العشرين
صوره لكبار صناع الكسوه بدايات القرن العشرين
بالإضافه إلي ما أسلفنا من مشتملات المحمل, كان يتبعه فرقه عسكريه بغرض الحمايه و كانت توفر له الحمايه خلال رحلته دفعاً لهجمات أي معتدي خصوصاً العربان من البدو و كثيراً ما تعرضوا لتلك القوافل بغرض السلب و أحياناً كانت تفلح هجماتهم, و كان للمحمل أميراً يعرف بـ ( أمير حاج ) و الكثير ممن تشرف بهذه الوظيفه مشهور في التاريخ الإسلامي فعادة ما يكون من أكبر أمراء الدوله حتي أن منهم من تسلطن لاحقاً و كان من الأمراء من يحسن السيره في هذه المهمه ومنهم من يسئ, و قد استمرت وظيفة أمير حاج في العصر العثماني أيضاً
العسكر المصري يسير صحبة المحمل
معسكر المحمل أثناء الرحله
العسكر بجوار المحمل بالعباسيه قبل بداية الرحله
المحمل عند عودته بقصر محمد علي بشبرا
إستعراض المحمل بميدان القلعه
مجموعه من النساء يزرن الحمل بالعباسيه
المحمل أثناء المسير
و كانت العاده أنه عندما يصل المحمل إلي مكه المشرفه يستقبله شريف مكه - و هو
أميرها - و الذي كان تابعاً للسلطان المملوكي ثم للعثماني و كان يقبل حافر جمل
المحمل تبجيلاً و توقيرا
لم يكن المحمل ليخرج بالمصريين و حسب بل كان يصحبه سائر الحجيج من بلاد المغرب الإسلامي بما فيه الأندلس و بلاد إفريقيا أو القادمين عن طريق البحر من البلاد العثمانيه و كذلك كان كثيراً ما يأتي أمراء و ملوك تلك البلاد قاصدين الحج فكانوا جميعاً يجتمعون بالقاهره ليتوقفوا بتلك المحطه الهامه التي كانت لها أثر كبير في صورة و شخصية مصر بمخيلة زوارها حتي أن التراث الإسلامي يحفل بالكثير من المؤلفات التي صنفها الرحاله و الأدباء المارين بمصر و كذلك فإن وفادتهم إلي القاهره و إختلاطهم بالمصريين كان له أثر فكري و ثقافي و إجتماعي عميق علي إمتداد التاريخ المصري
**تابع الرابط من موقع لمشاهدة فيديو من المتحف البريطاني و إستعراض لقبة محمل موجوده بالمتحف
لم يكن المحمل ليخرج بالمصريين و حسب بل كان يصحبه سائر الحجيج من بلاد المغرب الإسلامي بما فيه الأندلس و بلاد إفريقيا أو القادمين عن طريق البحر من البلاد العثمانيه و كذلك كان كثيراً ما يأتي أمراء و ملوك تلك البلاد قاصدين الحج فكانوا جميعاً يجتمعون بالقاهره ليتوقفوا بتلك المحطه الهامه التي كانت لها أثر كبير في صورة و شخصية مصر بمخيلة زوارها حتي أن التراث الإسلامي يحفل بالكثير من المؤلفات التي صنفها الرحاله و الأدباء المارين بمصر و كذلك فإن وفادتهم إلي القاهره و إختلاطهم بالمصريين كان له أثر فكري و ثقافي و إجتماعي عميق علي إمتداد التاريخ المصري
**تابع الرابط من موقع لمشاهدة فيديو من المتحف البريطاني و إستعراض لقبة محمل موجوده بالمتحف
* تاريخ خروج المحمل
يختلف المؤرخون في تحديد أي زمان كان بداية خروج المحمل المصري فمنهم من أرخ بأنه بدأ في عصر السلطان صلاح الدين أو شجر الدر أو حتي الظاهر بيبرس و كل منهم يستشهد بأن حجته هو مصاحبة مظهر معين لكن الغالب أن المحمل بالمظاهر التي أسلفناها مجتمعه لم يبدأ إلا في عصر المماليك البحريه أي في منتصف القرن الثالث عشر ميلادي السابع هجري
لم يكن المحمل المصري هو الوحيد الذي يخرج للحج بالعالم الإسلامي بل كان هناك
المحمل الشامي و كذلك المحمل العراقي و كذا اليمني, لكن ما كان يميز المحمل المصري
هو خروج الكسوه معه و التي حرص عليها سلاطين المماليك أيما حرص, حتي أن الشيخ
المقريزي يذكر أن السلطان ( شاه رخ ) بن تيمورلنك في ثلاثينيات القرن التاسع
الهجري ألح علي السلطان المملوكي الأشرف برسباي في أن يكسو الكعبه فكان أن رفض
السلطان بعض إستشارة قضاة الشرع و قد أورد الشيخ المقريزي بكتابه السلوك لمعرفة
دول الملوك رد السلطان فقال " وأُجيب شاه رخ عن طلبه كسوة الكعبة باًن العادة
قد جرت ألا يكسوها إلا ملوك مصر، والعادة قد اعتبرت في الشرع في مواضع وجُهزت إليه
هدية ", كذلك فإنه بعد زوال دولة المماليك فإن بنو عثمان قد عهدوا إلي ولاة
مصر بأن يجهزوا الكسوه و هي علي ذلك إلي إنقطاعها عن مصر في ستينيات القر العشرين
الميلادي
* إنقطاع المحمل
أما عن إنقطاع المحمل, فقد كان بعد قيام حركة الضباط الأحرار بمصر إثر خلافات حكام المملكه الحجازيه و جمال عبد الناصر سنة 1961 و قد أعد آل سعود بالحجاز مشغلاً لكسوة الكعبه علي طريقتهم خلافاً للعاده المتبعه علي مدار أكثر من سبع قرون, و من المؤسف أنه كان يصحب المحمل إلي الأراضي المقدسه ما هو محرم من مظاهر الإحتفال من طبل و زمر و هذا لم يكن لائقاً فضلاً عن كونه مبتدعاً, و لكن ليس من المعلوم لدي أن هذا كان يحدث في أطوار المحمل المتقدمه لكن الثابت أنه حدث في مراحل تطوره المتأخره و خصوصاً في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي و كان يصحب بتلك البدع و التي أنكرها الأمير سعود بن عبد العزيز النجدي و الذي كان آخذاً بمنهج الإمام محمد بن عبد الوهاب حتي أنه أنكر صفة المحمل لدي السلطان العثماني سليم الثالث و طالبه بمنع والي مصر من مثل هذا الفعل, و كانت هذه فاتحة أبواب فتن و حروب في بدايات القرن التاسع عشر إلي أن أسر إبراهيم بن محمد علي سعوداً بن عبد العزيز و دمر عاصمته الدرعيه و كان إعدامه سنة 1814 بالآستانه ( إسطنبول ) و به إنتهي عصر الدوله السعوديه الأولي و لكن التوتر و الحذر تجاه المحمل ظل مستمرا حتي إبطاله و قد تجلي هذا التوتر في حادثة المحمل بمني سنة 1926 في عهد الملك عبد العزيز بعد سقوط الدوله العثمانيه
أما عن إنقطاع المحمل, فقد كان بعد قيام حركة الضباط الأحرار بمصر إثر خلافات حكام المملكه الحجازيه و جمال عبد الناصر سنة 1961 و قد أعد آل سعود بالحجاز مشغلاً لكسوة الكعبه علي طريقتهم خلافاً للعاده المتبعه علي مدار أكثر من سبع قرون, و من المؤسف أنه كان يصحب المحمل إلي الأراضي المقدسه ما هو محرم من مظاهر الإحتفال من طبل و زمر و هذا لم يكن لائقاً فضلاً عن كونه مبتدعاً, و لكن ليس من المعلوم لدي أن هذا كان يحدث في أطوار المحمل المتقدمه لكن الثابت أنه حدث في مراحل تطوره المتأخره و خصوصاً في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي و كان يصحب بتلك البدع و التي أنكرها الأمير سعود بن عبد العزيز النجدي و الذي كان آخذاً بمنهج الإمام محمد بن عبد الوهاب حتي أنه أنكر صفة المحمل لدي السلطان العثماني سليم الثالث و طالبه بمنع والي مصر من مثل هذا الفعل, و كانت هذه فاتحة أبواب فتن و حروب في بدايات القرن التاسع عشر إلي أن أسر إبراهيم بن محمد علي سعوداً بن عبد العزيز و دمر عاصمته الدرعيه و كان إعدامه سنة 1814 بالآستانه ( إسطنبول ) و به إنتهي عصر الدوله السعوديه الأولي و لكن التوتر و الحذر تجاه المحمل ظل مستمرا حتي إبطاله و قد تجلي هذا التوتر في حادثة المحمل بمني سنة 1926 في عهد الملك عبد العزيز بعد سقوط الدوله العثمانيه
* عبــره
و هنا تأتي العبره من ذكر لطيفة المحمل ففضلاً عن كونها نادره تطيب ذكراها, فإننا إذا تأملنا فسنجد أن هذا الحدث يعد أحد مفردات العباره المشهوره ( دور مصر الإقليمي و التاريخي ), فقد كانت مصر حاضنة هؤلاء الوافدين من الغرب بمختلف أجناسهم علي مدار شهور طامعين في إتمام الفريضه المقدسه التي كانت تهفو لها القلوب خصوصاً لمشقة المسير إلي الحجاز في هذه العصور القديمه فكانوا يأتون إلي مصر متوسمين الأمن في سلطان قوتها و خيراتها الوافره منطلقين منها في سبيل إتمام مناسكهم في ظل ما تفيض به من طيبات تيسر هذا المقصد الجليل و كانت عادة لا تبخل و لا ترد طالبيها خائبين, أضف إلي ذلك ما كان يستجد من عمائر بأمر السلاطين بالأراضي المقدسه و قد أوقفت عليه الأوقاف بمصر فما زالت آثار تلك الأوقاف بأسمائها حتي اليوم فتجد بالقاهره وقف الحرمين و وكالة قايتباي و غيرهم مما أوقف لوجه الله للإنفاق علي الحجاج و فقراء المجاورين بل و بكل من بالحجاز من مسلمين حيث كان حينها يفتقر لما كان ببلادنا من خيرات
الخلاصه أن مصر عندما تبوأت منزلتها التاريخيه و قامت بواجبها الطبيعي من خلال مثل هذا الدور الذي لعبته كدوله إسلاميه كبري ترعي شئون المسلمين في شتي بقاع الأرض و تسد عنهم حاجاتهم و هذا الدور ما كان ليتحقق إلا بفضل من الله لما ميزها بنعم لم يميز بها غيرها من البلدان الإسلاميه و ما لها من عبقرية مكان أو زمان فنالت هذا القدر و هذه المنزله عن إستحقاق, و كذلك فإنها لما تخلت عما أنيط بها من دور تجاه المسلمين و إنصرف حكامها المتأخرين عن هذا الدور و إنشغلوا بترديد الشعارات الفارغه الغير ملوسه إنحطت مكانتها بل و علا عليها أصاغر الأقاليم التي لم يذكر لها شأن و لا تاريخ
و الأمر متصل أيضاً بالبلدان الإسلاميه التي نالت في زماننا هذا نصيباً مما كان لمصر سالفاً من شرف و قد حباها الله في هذه الأيام من ثروات مستحدثه و قد تبدلت الأحوال حتي أن مصر صارت تعاني أزمات متلاحقه, فأين هذه البلدان و أين حكامها من المسلمين, فإننا لا نراهم إلا منكبين علي ذواتهم و لا أعلوا للإسلام رايه بالرغم من تظاهرهم بذلك, و لا يعملون إلا بشريعة الغرب و موروثه البغيض من عصبيه و قوميه و لا يسيرون إلا بفلكه و صراطه مما سيكون مورداً لزوالهم لا محاله و التاريخ سيشهد عليهم و لن يذكرهم إلا بكل نقيصه
مهندس اسامة المحترم
ردحذفتحية وتقدير
شكرا على الموضوع الرائق
أستأذنك لنشره في مجلة تراث الصادرة عن مركز زايد للدراسات والبحوث في أبوظبي. أرجو أن تتواصل معي على هذا البريد:
waleedalaa@hotmail.com
وليد علاء الدين
مدير تحرير مجلة تراث
جزاكم الله خيراً علي الإهتمام أستاذ و ليد, بالتأكيد لا مانع من النشر و أتشرف بذك كثيراً
ردحذفا شكرك علي هدا الموضوع الرائع واقدم لك اسفي علي ماحصل بخصوص الموضوع وتم لفت نظر الادمن وارجو قبول اسفي لقد تم عمل التعديلhttps://www.facebook.com/media/set/?set=a.140181716125266.42063.105710526239052&type=1¬if_t=photo_album_comment
ردحذفأخت رزان:
ردحذفشكراً لإهتمامكم و وفقكم الله في عملكم